الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال البيضاوي: {مَن كَانَ عَدُوّا لّلَّهِ وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال فَإِنَّ الله عَدُوٌّ للكافرين} أراد بعداوة الله مخالفته عنادًا، أو معاداة المقربين من عباده، وصدر الكلام بذكره تفخيمًا لشأنهم كقوله تعالى: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} وأفرد الملكين بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر، والتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى، وأن من عادى أحدهم فكأنه عادى الجميع، إذ الموجب لعداوتهم ومحبتهم على الحقيقة واحد، ولأن المحاجة كانت فيهما. ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنه تعالى عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة والرسل كفر. اهـ..من فوائد أبي حيان في الآية: قال رحمه الله:{من كان عدوًّا لله}: العداوة بين الله والعبد لا تكون حقيقة، وعداوة العبد لله تعالى مجاز، ومعناها: مخالفة الأمر، وعداوة الله للعبد، مجازاته على مخالفته.{وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}.أكد بقوله: وملائكته، أمر جبريل، إذ اليهود قد أخبرت أنه عدوهم من الملائكة، لكونه يأتي بالهلاك والعذاب، فرد عليهم في الآية السابقة، بأنه أتى بأصل الخيور كلها، وهو القرآن الجامع لتلك الصفات الشريفة، من موافقته لكتبهم، وكونه هدى وبشرى، فكانت تجب محبته.وردّ عليهم في هذه الآية، بأن قرنه باسمه تعالى مندرجًا تحت عموم ملائكته، ثم ثانيًا تحت عموم رسله، لأن الرسل تشمل الملائكة وغيرهم ممن أرسل من بني آدم، ثم ثالثًا بالتنصيص على ذكره مجردًا مع من يدّعون أنهم يحبونه، وهو ميكال، فصار مذكورًا في هذه الآية ثلاث مرار، كل ذلك رد على اليهود وذم لهم، وتنويه بجبريل.ودلت الآية على أن الله تعالى عدوّ لمن عادى الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.ولا يدل ذلك على أن المراد من جمع عداوة الجميع، فالله تعالى عدوّه، وإنما المعنى أن من عادى واحدًا ممن ذكر، فالله عدوه، إذ معاداة واحد ممن ذكر معاداة للجميع.وقد أجمع المسلمون على أن من أبغض رسولًا أو ملكًا فقد كفر.فقال بعض الناس: الواو هنا بمعنى أو، وليست للجمع.وقال بعضهم: الواو للتفصيل، ولا يراد أيضًا أن يكون عدوًا لجميع الملائكة، ولا لجميع الرسل، بل هذ من باب التعليق على الجنس بصورة الجمع، كقولك: إن كلمت الرجال فأنت طالق، لا يريد بذلك إن كلمت كل الرجال، ولا أقل ما ينطلق عليه الجمع، وإنما علق بالجنس، وإن كان بصورة الجمع، فلو كلمت رجلًا واحدًا طلقت، فكذلك هذا الجمع في الملائكة والرسل.فالمعنى أن من عادى الله، أو ملكًا من ملائكته، أو رسولًا من رسله، فالله عدوّ له.وقال الماتريدي: يحتمل أن يكون الافتتاح باسم الله، على سبيل التعظيم لمن ذكر بعده، كقوله تعالى: {فأَن لله خمسهُ} وخص جبريل وميكال بالذكر تشريفًا لهما وتفضيلًا.وقد ذكرنا عن أستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، قدس الله روحه، أنه كان يسمي لنا هذا النوع بالتجريد، وهو أن يكون الشيء مندرجًا تحت عموم، ثم تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون أفراد ذلك العام.فجبريل وميكال جعلًا كأنهما من جنس آخر، ونزل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس، فعطف.وهذا النوع من العطف، أعني عطف الخاص على العام، على سبيل التفضيل، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف.وقيل: خصا بالذكر، لأن اليهود ذكرهما، ونزلت الآية بسببهما.فلو لم يذكرا، لكان لليهود تعلق بأن يقولوا: لم نعاد الله؟ ولا جميع ملائكته؟ وقيل: خصًا بالذكر دفعًا لإشكال: أن الموجب للكفر عداوة جميع الملائكة، لا واحد منهم.فكأنه قيل: أو واحد منهم.وجاء هذا الترتيب في غاية الحسن، فابتدئ بذكر الله، ثم بذكر الوسائط التي بينه وبين الرسل، ثم بذكر الوسائط التي بين الملائكة وبين المرسل إليهم.فهذا ترتيب بحسب الوحي.ولا يدل تقديم الملائكة في الذكر على تفضيلهم على رسل بني آدم، لأن الترتيب الذي ذكرناه هو ترتيب بالنسبة إلى الوسائط، لا بالنسبة إلى التفضيل.ويأتي قول الزمخشري: بأن الملائكة أشرف من الأنبياء، إن شاء الله، قالوا: واختصاص جبريل وميكال بالذكر يدل على كونهما أشرف من جميع الملائكة.وقالوا: جبريل أفضل من ميكال، لأنه قدم في الذكر، ولأنه ينزل بالوحي والعلم، وهو مادة الأرواح.وميكال ينزل بالخصب والأمطار، وهي مادة الأبدان، وغذاء الأرواح أشرف من غذاء الأشباح،. انتهى.ويحتاج تفضيل جبريل على ميكائيل إلى نص جلي واضح، والتقدم في الذكر لا يدل على التفضيل، إذ يحتمل أن يكون ذلك من باب الترقي.ومن: في قوله: {من كان عدوًّا} شرطية.واختلف في الجواب فقيل: هو محذوف، تقديره: فهو كافر، وحذف لدلالة المعنى عليه.وقيل الجواب: {فإن الله عدوّ للكافرين}، وأتى باسم الله ظاهرًا، ولم يأت بأنه عدوّ لاحتمال أن يفهم أن الضمير عائد على اسم الشرط فينقلب المعنى، أو عائد على أقرب مذكور، وهو ميكال، فأظهر الاسم لزوال اللبس، أو للتعظيم والتفخيم، لأن العرب إذا فخمت شيئًا كررته بالاسم الذي تقدم له منه: {لينصرنه الله} {إن الله لقوي عزيز} وقول الشاعر:وهذه الجملة الواقعة خبرًا للشرط، تحتاج إلى رابط لجملة الجزاء باسم الشرط.والرابط هنا الاسم الظاهر وهو: الكافرين، أوقع الظاهر موقع الضمير لتواخي أواخر الآي، ولينص على علة العداوة، وهي الكفر، إذ من عادى من تقدّم ذكره، أو واحدًا منهم، فهو كافر.أو يراد بالكافرين العموم، فيكون الرابط العموم، إذ الكفر يكون بأنواع، وهؤلاء الكفار بهذا الشيء الخاص فرد من أفراد العموم، فيحصل الربط بذلك.وقال الزمخشري: عدوّ للكافرين، أراد عدوّ لهم، فجاء بالظاهر ليدل على أن الله عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر.وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرًا، فما بال الملائكة؟ وهم أشرف.والمعنى: من عاداهم عاداه الله وعاقبه أشدّ العقاب. انتهى كلامه.وهذا مذهب المعتزلة يذهبون إلى أن الملائكة أفضل من خواص بني آدم.ودل كلام الزمخشري على أن الظاهر وقع موقع الضمير، وأنه لم يلحظ فيه العموم، وقال ابن عطية: وجاءت العبارة بعموم الكافرين، لأن عود الضمير على من يشكل، سواء أفردته أو جمعته، ولو لم يبال بالإشكال.وقلنا: المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم.ويحتمل أن الله قد علم أن بعضهم يؤمن، فلا ينبغي أن يطلق عليه عداوة الله للمآل.وروي أن عمر نطق بهذه الآية مجاوبًا لبعض اليهود في قوله: ذلك عدوّنا، يعني جبريل، فنزلت على لسان عمر.قال ابن عطية: وهذا الخبر ضعيف. اهـ. .من فوائد أبي السعود في الآية: قال عليه الرحمة:{مَن كَانَ عَدُوّا الله} أريد بعداوته تعالى مخالفةُ أمرِه عِنادًا والخروجُ عن طاعته مكابرةً، أو عداوةُ خواصِّه ومقرَّبيه. لكنْ صُدّر الكلامُ بذكره الجليل تفخيمًا لشأنهم وإيذانًا بأن عداوتَهم عداوتُه عز وعلا كما في قوله عز وجل: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} ثم صرح بالمرام فقيل: {وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} وإنما أفردا بالذكر مع أنهما أولُ من يشمَلُه عنوانُ المَلَكية والرسالة لإظهار فضلِهما كأنهما عليهما السلام من جنسٍ آخَرَ أشرفَ مما ذكر تنزيلًا للتغايُر في الوصف منزلةَ التغايرِ في الجنس، وللتنبيه على أن عداوةَ أحدِهما عداوةٌ للآخر حسمًا لمادة اعتقادِهم الباطلَ في حقهما حيث زعَموا أنهما متعاديان، وللإشارة إلى أن معاداةَ الواحدِ والكلِّ سواءٌ في الكفر واستتباعِ العداوةِ من جهة الله سبحانه، وأن من عادى أحدَهم فكأنما عادى الجميعَ، وقولُه تعالى: {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ للكافرين} أي لهم جوابُ الشرط والمعنى من عاداهم عاداه الله وعاقبه أشدَّ العقاب وإيثارُ الاسميةِ للدلالة على التحقق والثباتِ، ووضعُ الكافرين موضعَ المضمرِ للإيذان بأن عداوةَ المذكورين كفر، وأن ذلك بيِّنٌ لا يحتاج إلى الإخبار به، وأن مدارَ عداوتِه تعالى لهم وسخطِه المستوجبِ لأشدِّ العقوبة والعذابِ هو كفرُهم المذكور. اهـ..من فوائد الألوسي في الآية: قال رحمه الله:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}.العدو للشخص ضد الصديق يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع، وقد يؤنث ويثنى ويجمع، وهو الذي يريد إنزال المضارّ به، وهذا المعنى لا يصح إلا فينا دونه تعالى فعداوة الله هنا مجاز إما عن مخالفته تعالى وعدم القيام بطاعته لما أن ذلك لازم للعداوة، وإما عن عداوة أوليائه، وأما عداوتهم لجبريل والرسل عليهم السلام فصحيحة لأن الإضرار جار عليهم، غاية ما في الباب أن عداوتهم لا تؤثر لعجزهم عن الأمور المؤثرة فيهم، وصدر الكلام على الاحتمال الأخير بذكره لتفخيم شأن أولئك الأولياء حيث جعل عداوتهم عداوته تعالى، وأفرد الملكان بالذكر تشريفًا لهما وتفضيلًا كأنهما من جنس آخر تنزيلًا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات كقوله:وقيل: لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما، وقيل: للتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى، وإن من عادى أحدهم فكأنما عادى الجميع لأن الموجب لمحبتهم وعداوتهم على الحقيقة واحد وإن اختلف بحسب التوهم والاعتقاد، ولهذا أحب اليهود ميكائيل وأبغضوا جبريل، واستدل بعضهم بتقديم جبريل على ميكائيل على أنه أفضل منه وهو المشهور، واستدلوا عليه أيضًا بأنه ينزل بالوحي والعلم وهو مادة الأرواح، وميكائيل بالخصب والإمطار وهي مادة الأبدان، وغذاء الأرواح أفضل من غذاء الأشباح، واعترض بأن التقديم في الذكر لا يدل على التفضيل إذ يحتمل أن يكون ذلك للترقي أو لنكتة أخرى كما قدمت الملائكة على الرسل وليسوا أفضل منهم عندنا، وكذا نزوله بالوحي ليس قطعيًا بالأفضلية إذ قد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل فلابد في التفضيل من نص جلي واضح، وأنا أقول بالأفضلية وليس عندي أقوى دليلًا عليها من مزيد صحبته لحبيب الحق بالاتفاق وسيد الخلق على الإطلاق صلى الله عليه وسلم وكثرة نصرته وحبه له ولأمته، ولا أرى شيئًا يقابل ذلك وقد أثنى الله تعالى عليه عليه السلام بما لم يثن به على ميكائيل بل ولا على إسرافيل وعزرائيل وسائر الملائكة أجمعين، وأخرج الطبراني لكن بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبرائيل» وأخرج أبو الشيخ عن موسى بن عائشة قال: «بلغني أن جبريل إمام أهل السماء» ومن شرطية والجواب، قيل: محذوف وتقديره فهو كافر مجزى بأشد العذاب، وقيل: فإن الله الخ على نمط ما علمت، وأتى باسم الله ظاهرًا ولم يقل فإنه عدو دفعًا لانفهام غير المقصود أو التعظيم، والتفخيم والعرب إذا فخمت شيئًا كررته بالاسم الذي تقدم له، ومنه: {لَيَنصُرَنَّهُ الله إِنَّ الله} [الحج: 0 6] وقوله: وأل في الكافرين للعهد وإيثار الاسمية للدلالة على التحقيق والثبات، ووضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن عداوة المذكورين كفر وأن ذلك بين لا يحتاج إلى الإخبار به وأن مدار عداوته تعالى لهم وسخطه المستوجب لأشد العقوبة والعذاب هو كفرهم المذكور، وقيل: يحتمل أنه تعالى عدل عن الضمير لعلمه أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن يطلق عليه عداوة الله تعالى للمآل وهو احتمال أبعد من العيوق ويحتمل أن تكون أل للجنس كما تقدم، ومن الناس من روى أن عمر رضي الله تعالى عنه نطق بهذه الآية مجاوبًا لبعض اليهود في قوله: ذاك عدونا يعني جبريل فنزلت على لسان عمر وهو خبر ضعيف كما نص عليه ابن عطية، والكلام في منع صرف ميكائيل كالكلام في جبريل، واشتهر أن معناه عبيد الله وقيل: عبد الله، وفيه لغات.الأولى: ميكال كمفعال، وبها قرأ أبو عمرو وحفص وهي لغة الحجاز.الثانية: كذلك إلا أن بعد الألف همزة، وقرأ بها نافع وابن شنبوذ لقنبل.الثالثة: كذلك إلا أنه بياء بعد الهمزة، وبها قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر وغير ابن شنبوذ لقنبل والبزي.الرابعة: ميكئيل كميكفيل، وبها قرأ ابن محيصن.الخامسة: كذلك إلا أنه لا ياء بعد الهمزة وقرئ بها.السادسة: ميكائيل بياءين بعد الألف أولهما مكسورة، وبها قرأ الأعمش.ولساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم في هذين الملكين بل وفي أخويهما إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام أيضًا كلام مبسوط، والمشهور أن جبرائيل هو العقل الفعال، وميكائيل هو روح الفلك السادس وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية الموكلة بأرزاق الخلائق، وإسرافيل هو روح الفلك الرابع وعقله المفيض للنفس الحيوانية الكلية الموكلة بالحيوانات، وعزرائيل هو روح الفلك السابع الموكل بالأرواح الإنسانية كلها بعضها بالوسائط التي هي أعوانه وبعضها بنفسه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. اهـ.
|